فصل: فصل في التحذير عن تعاطي المسكرات والمخدرات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في التحذير عن تعاطي المسكرات والمخدرات:

اعْلَمْ وفقنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن من أشرف هبات الله للإنسان عقله وقَدْ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قول الله تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} أي في العقل، وورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى- أو يرده عن ردى، ولا استقام دينه حتى يستقيم عقله».
فالعقل جعله الله للإنسان ليميز به النافع من الضار ويفهم عن الله شرعه لماذا حسن الحسن وقبح القبيح ويفهم ما لله من الحقوق وما لرسله وما ينبغي نحو عباد الله.
فهو الجوهرة التي دون قدرها الأثمان وما يقدر بالأثمان بل الدُّنْيَا بأسرها لا قيمة لها بجانب هَذَا العقل العَظِيم الشأن الَّذِي رفع الله درجة بني آدم إلى أن أخاطبهم جَلَّ وَعَلا وَهُوَ الَّذِي صلح لأن يكون من خدمه تَعَالَى يؤدي ما له من واجباتٍ.
وَهُوَ الَّذِي به يكون أهلاً لأن يكون من ضيوفه تَعَالَى في دار الكرامَاتَ، بل هُوَ الَّذِي سما به إلى أن يرى ربه تَعَالَى في دار الرضوان، إن قيمة كُلّ شَيْء إنما تقدر بقدر ما له من آثار العقل، لا يدانيه فيها غيره، مهما كَانَ لذَلِكَ الغير من مقدار، إذ هُوَ أجل محنة منحها الله ابن آدم في هذه الدار بل لا تَكُون الْجَنَّة جنة إذا سلب العقل فيها من الإِنْسَان.
إذا علمت ذَلِكَ فاعْلَمْ أن النَّاس يتفاوتون في الدرجات بتفاوت ما لَهُمْ من عقول فكُلَّما كَانَ العقل أقوى كَانَ أقدر على دفع النفس عما لها من فضول ومن هَذَا نستطيع أن نقول إن أعقل الْمُؤْمِنِين أتقاهم لله أما ضعيف العقل فيضعف دفعه للنفس عن ما لها من شهوات.
هُوَ من الأَشْيَاءِ التي تشير أسماؤها إلى معناها سمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه غالبًا عما لا ينبغي ولذَلِكَ إذا جن الإِنْسَان رأيته كالوحش الضاري يبطش بكل ما قابله.
مَا وَهَبَ اللهُ لامْرِئٍ هِبَهْ ** أَشْرَفَ مِنْ عَقْلِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ

هُمَا حَيَاةُ الْفَتَى فَإِنْ فُقِدَا ** فَإِنَّ فَقْدَ الْحَيَاةِ أَجْمَلُ بِهْ

آخر:
يَزينُ الْفَتَى فِي النَّاسِ صِحَّةُ عَقْلِهِ ** وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ مَكَاسِبُهْ

وَيُرزِي بِهِ فِي النَّاسِ قِلَّةُ عَقْلِهِ ** وَإِنْ كَرُمَتْ أَعْرَاقُه وَمَنَاسِبُهُ

وَأَفْضَل قَسْمِ الله لِلْمَرْءِ عَقْلُهُ ** ولَيْسَ مِن الْخَيْرَاتِ شَيْءٌ يُقَارِبُهُ

إِذَا أَكْمَلَ الرَّحْمَنُ لِلْمَرْءِ عَقْلَهُ ** فَقَدْ كَملَتْ أَخْلاقُهُ وَضَرَائِبَهُ

آخر:
إِذَا كُنْتَ ذَا عِلْمَ وَلَمْ تَكُ عَاقِلاً ** فَأَنْتَ كَذِي نَعْلٍ وَلَيْسَ لَهُ رِجْلُ

أَلا إِنَّمَا الإِنْسَانُ عُمْدٌ لِعَقْلِهِ ** وَلا خَيْرَ كَذِي نَعْلٍ وَلَيْسَ لَهُ رِجْلُ

أَلا إِنَّمَا الإِنْسَانُ عُمْدٌ لِعَقْلِهِ ** وَلا خَيْرَ فِي غِمْدٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَصْلُ

والمقصود من سياق هذه المقدمة حول العقل، هُوَ أنه يوَجَدَ قسم من النَّاس قَدْ عميت بصائرهم وأسقطوا أنفسهم من درجة الكمال الَّذِي أعدهم الله له، وأنزلوا أنفسهم إلى مرتبة الْحَيَوَان أو أنزل، ورضوا بأن يكونوا معاول لهدم الفضيلة ويدًا عاملة لنشر الرذيلة وهؤلاء قَدْ استحوذ عَلَيْهمْ الشيطان ولعب بِهُمْ وزين لَهُمْ أن يفارقوا عقولهم زمنًا بتناول المخدرات وتعاطي المسكرات ولَيْسَ هَذَا الاعتداء على العقل الَّذِي شرفهم الله به في العمر مرة بل ولا في السنة مرة لكنه عندهم دوامًا نسأل الله العافية أما علم أولئك التعساء أن الخمر أم الخبائث ورأس الْمُنْكَر كله وطَرِيق الفساد العام.
فساد الدين وفساد الأَخْلاق وفساد العقل وفساد الجسم وفساد الْمَال وفساد الذرية ولهَذَا قال صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كُلّ الشر». رواه الحاكم وَقَالَ: صحيح الإسناد، فالخمر محرمة باْلكِتَاب والسنة والإجماع.
أما اْلكِتَاب فقوله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.
اللَّهُمَّ قوي إيماننا بك ونور قلوبنا بنور الإِيمَان وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين، اللَّهُمَّ يا ملقب القُلُوب ثَبِّتْ قلوبنا على دينك وألهمنا ذكرك وشكرك وأمنا من سطوتك ومكرك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
وأما السنة فقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ». رواه أبو داود والإمام أَحَمَد وروى عَبْدُ اللهِ بنَ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إليه». رواه أبو داود.
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «من شرب الخمر في الدُّنْيَا، ومَاتَ ولم يتب منها، وَهُوَ مدمن لها، لم يشربها في الآخِرَة». رواه مسلم وروى مسلم عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «إن على الله عهدًا لمن شرب المسكر، أن يسقيه الله من طينة الخبال». قيل: يَا رَسُولَ اللهِ وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أَهْل النار».
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «من شرب الخمر في الدُّنْيَا، يحرمها في الآخِرَة». وورد أن مدمن الخمر كعابد وثن وروى النسائي من حديث عمر أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «لا يدخل الْجَنَّة عاق، ولا مدمن خمر». وفي رواية: «ثلاثة لا يدخلون الْجَنَّة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث، وَهُوَ الَّذِي يقر السُّوء في أهله».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ». رواه البخاري، وفي الْحَدِيث: «من زنى أو شرب الخمر، نزع الله منه الإِيمَان كما يخلع الإِنْسَان القميص من رأسه». وفيه عن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «ان رائحة الْجَنَّة لتوَجَدَ من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا عابد وثن».
وروى الإمام أَحَمَد من حديث أبي مُوَسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «لا يدخل الْجَنَّة مدمن خمر ولا مُؤْمِن بسحر ولا قاطع رحم ومن مَاتَ وَهُوَ يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة وَهُوَ ماء يجري من فروج المومسات- أي الزانيات- يؤذي أَهْل النار ريح فروجهن».
وَقَالَ ابن عمر: أمرني رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فاتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثُمَّ أعطانيها وَقَالَ: «اغد علي بها». ففعلت فخَرَجَ بأصحابه إلى أسواق الْمَدِينَة، وفيها زقاق الخمر قَدْ جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كَانَ من تلك الزقاق بحضرته ثُمَّ أعطانيها وأمر أصحابه الَّذِينَ كَانُوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كُلّهَا فلا أجد فيها زق خمر إِلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواها زقًا إِلا شققته.
وعن عَبْد اللهِ بن عمرو قال: إن هذه الآيَة التي في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال: هِيَ في التوراة إن الله أنزل الحق ليذهب به الْبَاطِل ويبطل به اللعب والمزامير والزفن، والكبارات يعني البرابط، والزمارات، يعني به الدف والطنابير والشعر، والخمر مرة لمن طعمها أقسم الله بيمينه وعزته من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة، ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس.
اللَّهُمَّ اغفر لنا ذنوبنا حالت بيننا وبين ذكرك شكرك واعف عن تقصيرنا فِي طَاعَتكَ ووفقنا للزوم الطَرِيق الموصلة إليك وثبتنا عَلَيْهَا حتى الْمَمَات اللَّهُمَّ طهر قلوبنا من النفاق وعلمنا من الرياء وطهر مكسبنا من الربا وألسننا من الكذب ووفقنا لمصالحنا واعصمنا عن ذنوبنا وقبائحنا ولا تؤاخذنا بما انطوت عَلَيْهِ ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وتوفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
قصيدة تحتوي على حكم ومواعظ:
تَأوَّيني هَمُّ كَثِيرٌ بِلابِلُهْ ** طَرُوقًا فَغَالَ النَّوْم عَنِّي غَوَائِلُهْ

فَوَيْحِي مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ وَاقِعٌ ** وَلِلْمَوْتِ بَابٌ أَنْتَ لابد دَاخِلُهْ

أَيَأْمَنُ رَيْبِ الدَّهْرِ يَا نَفْسُ وَاهِنٌ ** تَجِيشُ لَهُ بِالْمُفْظَعَاتِ مَرَاجِلُهْ

فَلَمْ أَرَ فِي الدُّنْيَا وَذُو الْجَهْلِ غَافِلٌ ** أَسِيرًا يَخَافُ الْقَتْلَ وَاللَّهْوُ شَاغِلُهْ

فَمَا بَاله يَفْدِي مِن الْمَوْتِ نَفْسَهُ ** وَيَأْمَنُ سَيْفَ الدَّهْرِ وَالدَّهْرُ قَاتِلُهْ

وَلا يَفْتَدِي مِن مَوْقِفٍ لَوْ رَمَى الرَّدَى ** بِهِ جَبَلاً أَضْحَتْ سَرَابَا جَنَادِلُهْ

وَبَعْدَ دُخُولِ الْقَبْرِ يَا نَفْسُ كُرْبَةٌ ** وَهَوْلٌ تُشِيبُ الْمُرْضِعِينَ زَلازِلُهْ

إِذَا الأَرْضُ خَفَّتَ بَعْدَ نَقْلٍ جِبَالِهَا ** وَخَلَّى سَبِيلَ الْبَحْرِ يَا نَفْسُ سَاحِلُهْ

فَلا يَرْتَجِي عَوْنًا عَلَى حَمْلِ وِزْرِهِ ** مُسِيءٌ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْوِزْرِ حَامِلُهْ

إِذَا الْجَسَدُ الْمَعْمُورُ زَايَل رُوحَه ** خَوَى وَجَمَالُ الْبَيْتِ يَا نَفْسُ آهِلُهْ

وَقَدْ كَانَ فِيهِ الرُّوحُ حِينًا يَزِينُهُ ** وَمَا الْغِمْدُ لَوْلا نَصْلُهُ وَحَمَائِلُهْ

يُزَايلُنِي مَالي إِذَا النَّفْسُ حَشْرَجَتْ ** وَأَهْلِي وَكَدْحِي لازِمِي لا أَزَايلُهْ

إِذَا كَلَّ عِنْدَ الْجُهْدِ يَا نَفْسُ مُنْطِقِي ** وَعَايَنْتُ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا لا أُحَاوِلُهْ

وَيَغْسِلُ مَا بِالْجِلْدِ مِنْ ظَاهِرِ الأَذَى ** وَلا يَغْسِلُ الذَّنْبَ الْمُخَالِفَ غَاسِلُهْ

وَمَنْ تُفْلِتِ الأَمْرَاضُ يَوْمًا فَإِنَّهُ ** سَيُوشِكُ يَوْمًا أَنْ تُصَابَ مَقَاتِلُهْ

وَقَدْ تُفْلِتُ الْوَحْشَ الْجِبَالُ وَرُبَّمَا ** تَقَبَّضَتِ الْوَحْشِيَّ يَوْمًا حَبَائِلُهْ

إِذَا الْعِلْمُ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ صَارَ حُجَّةً ** عَلَيْكَ وَلَمْ تُعْذَرْ بِمَا أَنْتَ جَاهِلُهْ

وَقَدْ يُنْعِشُ الذِّكْرُ الْقُلُوبَ وَإِنَّمَا ** تَكُونُ حَيَاةُ الْعُودِ فِي الْمَاءِ وَابِلُهْ

أَرَى الْغُصْنَ لا يَنْمِي إِذَا جَفَّ أَصْلُهُ ** وَلَيْسَ بِبَاقٍ مَنْ أُبِيحَتْ أَوَائِلُهْ

فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَبْصَرْتَ هَذَا فَإِنَّمَا ** يُصَدَّقُ قَوْلَ الْمَرْءِ مَا هُوَ فَاغِلُهْ

وَلا يَسْتَقِيمُ الدَّهْرَ سَهْمٌ لِوَجْهِهِ ** بِهِ مَيْلٌ حَتَّى يُقَوَّمَ مَائِلُهْ

وَفِيكَ إِلَى الدُّنْيَا اعْتِرَاضٌ وَإِنَّمَا ** تُكَالُ لَدَى الْمِيزَانِ مَا أَنْتَ كَائِلُهْ

فَلا تَنْتَكِثْ بَعْدَ الْهَوَى عَنْ بَصِيرَةٍ ** كَمَا نَكَثَ الْحَبْلَ الْمُضَاعَفَ فَاتِلُهْ

وَتَطْلُبُ فِي الدُّنْيَا الْمَنَازِلَ وَالْعُلا ** وَتَنْسَى نَعِيمًا دَائِمًا لا تُزَايلُهْ

كَمَنْ غَرَّهُ لَمعُ السَّرَابِ بَقِيعَةٍ ** فَقَصَّرَ عَنْ وِرْدٍ تَجِيشُ مَنَاهِلُهْ

وَقَدْ خَانَتْ الدُّنْيَا قُرونًا تَتَابَعُوا ** كَمَا خَانَ أَعْلَى الْبَيْتَ يَوْمًا أَسَافِلُهْ

وَتُصْبِحُ فِيهَا آمِنًا ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ** لِتَأْمنَ فِي وَادٍ بِهِ الْخَوْفُ نَازِلُهْ

وَقَدْ خَتَلَتْنَا بِاللَّطِيفِ مِهَ الْهَوَى ** كَمَا يَخْتِلُ الْوَحْشِيَّ بِالشَيْءِ خَاتِلُهْ

رَضِينَا بِمَا فِيهَا سَفَاهًا وَلَمْ يَكُنْ ** يَبِيعُ سَمِينَ اللَّحْمِ بِالْغَيْثِ آكِلُهْ

وَعَاقِبَةُ اللَّذَاتِ تَخْشَى وَإِنَّمَا ** يُكَدِّرُ يَوْمًا عَاجِلَ الأَمْرِ آجِلُهْ

وَإِنْ فَرَحَتْ بِالْمَرْءِ يَوْمًا حَلائِلٌ ** فَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرِنَّ حَلائِلُهْ

فَكَمْ مِنْ فَتَى قَدْ كَانَ فِي شِرِّةِ الصِّبَا ** فَأَقْصَرَ بَعْدَ الْعَذْلِ عَنْهُ عَوَاذِلُهْ

إِذَا مَا سَمَا حَقٌّ إليك وَبَاطِلٌ ** عَلَيْكَ فَلا يَذْهَبْ بِحَقَّكَ بَاطِلُهْ

وَقَدْ يَأْمَلُ الرَّاجِي فَيُكْذِبُ ظَنَّهُ ** أُمُورٌ وَيَلْقَى الشَّيْءَ مَا كَانَ يَأْمَلُهْ

اللَّهُمَّ انظمنا في سلك الفائزين برضوانك، وَاجْعَلْنَا مِنْ المتقين الَّذِينَ أعددت لَهُمْ فسيح جنانك وأدخلنا بِرَحْمَتِكَ في دار أمانك وعافنا يا مولانَا في الدُّنْيَا والآخِرَة مِنْ جَمِيعِ البلايا وأجزل لنا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مَعَ الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينِ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
وأجمعت الأمة على تحريم الخمر، وقليل الخمر وكثيره كله حرام لما أخرجه ابن حبان والطحاوي عن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره».
وروى أَحَمَد وابن ماجة والدارقطني وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «ما أسكر كثيره فقليله».
وروى أَحَمَد في مسنده وَأَبُو دَاود في سننه بسندٍ صحيح عن أم سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: نهى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم عن كُلّ مسكر ومفتر ولم يكتف الشارع بتحريم شرب قليلها وكثيرها، بل حرم الاتجار بها ولو مَعَ غير المسلمين فلا يحل لمسلم يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر أن يعمل مستوردًا أو مصدَّرًا أو صَاحِب محل لبيع الخمر أو عاملاً في هَذَا المحل كيف وقَدْ لعن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له.
وَكَذَا يحرم إهداؤها فقَدْ روي عن جابر بن عَبْد اللهِ قال: كَانَ رجل يحمل الخمر من خيبر إلى الْمَدِينَة فيبيعها من المسلمين فحمل منها بمالٍ فقدم بها الْمَدِينَة فلقيه رجل من المسلمين فَقَالَ: يا فلان إن الخمرة قَدْ حرمت فوضعها حيث انتهى على تل وسجى عَلَيْهَا بأكسية ثُمَّ أتى النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بلغني أن الخمر قَدْ حرمت قال: «أجل». قال: لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال: «لا يصح ردها». قال: لي أن أهديها إلى من يكافيني منها؟ قال: «لا» قال: فإن فيها مالاً ليتامى في حجري. قال: «إذا أتانَا مال البحرين فانَا نعوض أيتامك من مالهم». ثُمَّ نادى بالْمَدِينَة فَقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللهِ الأوعية ينتفع بها؟ قال: «فحلوا أوكيتها». فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي.
ويجب مقاطعة مجالس الخمر وشاربيها فعن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «من كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فلا يقعد على مائدة تدار عَلَيْهَا الخمر». رواه أَحَمَد ومعناه عَنْدَ الترمذي. وروي عن عمر بن عَبْد الْعَزِيز أنه كَانَ يجلد شارَبِّي الخمر، ومن شهد مجلسهم، وإن لم يشرب، ورووا عَنْهُ أنه رفع إليه قوم شربوا الخمر فأمر بجلدهم فقيل إن فيهم فلانَا، وقَدْ كَانَ صائمًا، فَقَالَ: به ابدؤوا أما سمعتم قول الله تَعَالَى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ}.
وروى عن عثمان بن عفان أنه كَانَ يَقُولُ: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كَانَ رجل فيمن كَانَ قبلكم يتعبد ويعتز النَّاس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جارتها أن تدعوه لشهادةٍ فدخل معها فطفقت كُلَّما دخل بابًا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئةٍ عندها غلام وباطية خمر فقَالَتْ: إني وَاللهِ ما دعوتك لشهادةٍ ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هَذَا الغلام أو تشرب هَذَا الخمر فسقته كأسًا فَقَالَ: زيدوني فلم يزل حتى وقع عَلَيْهَا وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمَعَ هِيَ والإِيمَان أبدًا أوشك أحدهما أن يخَرَجَ صاحبه. رواه البيهقي.
وروى الطبراني بسند صحيح والحاكم وَقَالَ: صحيح على شرط مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن أبا بكرٍ وعمر وناسًا جلسوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم فأرسلوني إلى عَبْد اللهِ بن عمرو أسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذَلِكَ ووثبوا إليه جميعًا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «إن ملكًا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسًا أو يزني أو يأكل لحم الخنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وأنه لما شربها لم يمتنع من شَيْء أرادوه منه».
وأن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منها شَيْء إِلا حرمت عَلَيْهِ بها الْجَنَّة، فإذا مَاتَ في أربعين ليلة مَاتَ ميتة جاهلية».
وفي تصوير إثُمَّ الخمر يَقُولُ أمير الْمُؤْمِنِين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لو وقعت قطرة منها في بئر فبنيت عَلَيْهِ منارة لم أؤذن عَلَيْهَا ولو وقعت في بحر فجف فنبت الكلأ لم أرعه.
وَقَالَ ابن عمر رضي الله عنهما لو دخلت أصبعي فيها لم تتبعني. قال بَعْضهمْ محذرًا عن الخمر:
إِلامَ وَأَنْتَ فِي زَهْوٍ وَلَهْوٍ ** وَإِنَّ الْعُمْرَ مُعْظَمُهُ تَقَلَّصْ

تُعَاقِرُ خَنْدَرِيسَ السُّوءِ دَوْمًا ** نَدِيمُكَ مَنْ إِلَى الْفَحْشَا تَرَبَّصْ

وَتَهْجُرُ كُلَّ ذِي هَدْيٍ قَوِيمٍ ** وَتُوصِلُ كُلَّ سِكِّيرٍ تَمَلَّصْ

بِذَا أَطْفَأْتَ نُورَ الْعَقْلِ حَتَّى ** ضَللْتَ عَنِ الْهِدَايَةِ يَا مُنْغَّصْ

أَنِرْ بِإِنَابَةِ للهِ عَقْلاً ** لَهُ نُورُ الْهُدَى بِالْحَقِّ حَصْحَصْ

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ لنا قلوبنا على دينك وألهمنا ذكرك وشكرك واختم لنا بخاتمة السعادة وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.